فصل: انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.انقراض ملك بني حشمناي وابتداء ملك هيردوس وبنيه:

وكان أول ما افتتح به ملكه أن بعث إلى هرقانوس الذي احتمله الفرس وقطعوا أذنه يستقدمه ليأمن على ملكه من ناحيته ورغبه في الكهنونية التي كان عليها فرغب وحذره ملك الفرس من هيردوس وعزله اليهود الذين معه وأراه أنها خديعة وأنه العيب الذي به يمنع الكنهونية فلم يقبل شيئا من ذلك وصغى إلى هيردوس وحسن ظنه به وسار إليه وتلقاه بالكرامة والإعطاء وكان يخاطبه بأبي في الجمع والخلوة.
وكانت الإسكندرة بنت هرقانوس تحت الاسكندر وابن أخيه أرستبلوس وكانت بنتها منه مريم تحت هيردوس فاطلعتا على ضمير هيردوس من محاولة قتله فخبرتاه بذلك وأشارتا عليه باللحاق يملك الرعب ليكون في جواره فخاطبه هرقانوس في ذلك وأن يبعث إليه من رجالاتهم من يخرج به إلى أحيائهم وكان حامل الكتاب من اليهود مضطغنا على هرقانوس لأنه قتل أخاه وسلب ماله فوضع الكتاب في يد هيردوس فلما قرأه رده إليه وقال: أبلغه إلى ملك العرب وأرجع الجواب إلي فجاءه بالجواب من ملك العرب إلى هرقانوس وأنه أسعف وبعث الرجال فالقهم بوصولك إلي فبعث هيردوس من يقبض على الرجال بالمكان الذي عينه وأحضرهم وأحضر حكام البلاد اليهود والسبعين شيخا وأحضر هرقانوس وقرأ عليه الكتاب بخطه فلم يحر جوابا وقامت عليه الحجة وقتله هيردوس لوقته لثمانين سنة من عمره وأربعين من ملكه وهو آخر ملوك بني حشمناي.
وكان للإسنكدر الله أرستبلوس وكان من أجمل الناس صورة وكان في كفالة أمه الإسنكدر وأخته يومئذ تحت هيردوس كما قلناه وكان هيردوس يغص به وكانت أخته وأمهما يؤملان أن يكون كوهنا بالبيت مكان جده هرقانوس وهيردوس يريد نقل الكنهونة عن بني حشمناي وقدم لها رجلا من عوام الكهنونية وجعله كبير الكهنونية فشق ذلك على الاسكندرة بنت هرقانوس وبنتها مريم زوج هيردوس وكان بين الإسكندرة وكلوبطره ملكة مصر مواصلة ومهاداة وطلبت منها أن تشفع زوجها انطيانوس في ذلك إلى هيردوس فاعتذر له هيردوس بأن الكواهن لا تعزل ولو أردنا ذلك فلا يمكننا أهل الدين من عزله فبعث بذلك إلى الاسكندرة ودست الاسكندرة إلى الرسول الذي جاء من عند أنطيانوس وأتحفته بمال فضمن لهم أن انطيانوس يعزم على هيردوس في بعث أرستبلوس إليه ورجع إلى أنطيانوس فرغبه في ذلك ووصف له من جماله وأغراه باستقدامه فبعث فيه أنطيانوس إلى هيردوس وهدده بالوحشة إن منعه فعلم أنه يريد منه القبيح فقدمه كهنونا وعزل الأول واعتذر لانطيانوس بأن الكوهن لا يمكن سفره واليهود تنكر ذلك فأغفل أنطيانوس الأمر ولم يعاود فيه.
ووكل هيردوس بالاسكندرة بنت هرقانوس عهدته من يراعى أفعالها فاطلع على كتبها إلى كلوبطرة أن تبعث إليها السفن والرجال يوصلنها إليها وأن السفن وصلت إلى ساحل يافا وأن الإسكندرة صنعت تابوتين لتخرج فيهما في وابنتها على هيئة الموتى فأرصد هيردوس من جاء بهما من المقابر في تابوتيهما فوبخهما ثم عفا عنهما ثم بلغه أن أرستبلوس حضر في عيد المظال فصعد على المذبح وقد لبس ثياب القدس وازدحم الناس عليه وظهر من ميلهم إليه ومحبتهم ما لا يعبر عنه فغص بذلك واعمل التدبير في قتله فخرج في منتزه له بأريحاء في نيسان واستدعى أصحابه وأحضر أرستبلوس فطعموا ولعبوا وانغمسوا في البرك يسبحون وعمد غلمان هيردوس إلى أرستبلوس فغمسوه في الماء حتى شرق وفاض فاغتم الناس لموته وبكى عليه هيردوس ودفنه وكان موته لسبع عشرة سنة من عمره وتأكدت البغضاء بين الإسكندرة وابنتها مريم زوج هيردوس أخت هذا الغريق وبين أم هيردوس وأخته وكثرت شكواهما إليه فلم يشكهما لمكان زوجته مريم وأمها منه.
قال ابن كريون: ثم انتقض أنطيانوس على أوغسطس قيصر وذلك أنه تزوج كلوبطره وملك مصر وكانت ساحرة فسحرته واستمالته وحملته على قتل ملوك كانوا طاعة الروم وأخذ بلادهم وأموالهم وسبي نسائهم وأموالهم وكان من جملته هيردوس وتوقف فيه خشية من أوغسطس قيصر لأنه كان يكرمه بسبب ما صنع في الآخرين فحمله على الانتقاض في العصيان ففعل وجمع العسكر واستدعى هيردوس فجاءه وبعثه إلى قتال العرب وكانوا خالفوا عليه فمضى هيردوس لذلك ومعه أنيثاون قائد كلوبطرة وقد دست له أن يجر الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل وثبت هيردوس من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير.
ورجع هيردوس إلى بيت المقدس فصالح جميع الملوك والأمم المجاورين له وامتنع العرب من ذلك فسار إليهم وحاربهم ثم استباحهم بعد أيام ومواقف بذلوا وجمعوا له الأموال وفرض عليهم الخراج في كل سنة ورجع وكان أنطيانوس لما بعثه إلى العرب سار هو إلى رومة وكانت بينه وبين أغسطس قيصر حروب هزمه قيصر في آخرها وقتله وسار إلى مصر فخافه هيردوس على نفسه لما كان منه في طاعة أنطيانوس وموالاته ولم يمكنه التخلف عن لقائه فأخرج خدمه من القدس فبعث بأمه وأخته إلى قلعة الشراة لنظر أخيه فردوا وبعث بزوجه مريم وأمها الإسكندرة إلى حصن الإسكندرونة لنظر زوج أخته يوسف ورجل آخر من خالصته من أهل صور اسمه سوما وعهد إليهما بقتل زوجته وأمها إن قتله قيصر.
ثم حمل معه الهدايا وسار إلى أوغسطس قيصر وكان تحقد له صحبة أنطيانوس فلما حضر بين يديه عنفه وأزاح التاج عن رأسه وهم بعقابه فتلطف هيردوس في الاعتذار وأن موالاته لأنطيانوس إنما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك وهي أعظم أياديه عندي ولم تكن موالاتي له في عداوتك ولا في حربك ولو كان ذلك وأهلكت نفسي دونه كنت غير ملوم فإن الوفاء شأن الكرام فإن أزلت عني التاج فما أزلت عقلي ولا نظري وإن أبقيتني فأنا محل الصنيعة والشكر فانبسط أوغسطس لكلامه وتوجه كما كان وبعثه على مقدمته إلى مصر فلما ملك مصر وقتل كلوبطره وهب لهيردوس جميع ما كان أنطيانوس أعطاها إياه ونفل فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس وسار إلى رومية.
قال ابن كريون: ولما عاد هيردوس إلى بيت المقدس أعاد حرمه من أماكنهن فعادت زوجته مريم وأمها من حصن الاسكندرونة وفي خدمتها يوسف زوج أخته وسوما الصوري وقد كانا حدثا المرأة وأمها بما أسر إليهما هيردوس وقد كان سلف منه قتل هرقانوس وأرستبلوس فشكرتا له وبينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما في ملاحاة جرت بينهما ولم يصدق ذلك هيردوس للعداوة والثقة بعفة الزوجة ثم جرى منها في بعض الأيام وهو في سبيل استمالتها عتاب فيما أسر إلى سوما وزوج أخته فقويت عنده الظنة بهم جميعا وأن مثل هذا السر لم يكن إلا لأمر مريب وأخذ في إخفائها وإقصائها ودست عليه أخته بعض النساء تحدثه بأن زوجته داخلته في أن تستحضر السم وأحضره فجرب وصح وقتل للحين صهره يوسف وصاحبه سوما وولى على أروم مكان صهره رجلا منهم اسمه كرسوس وزوجه أخته فسار إلى عمله وانحرف عن دين التوراة والإحسان الذي حملهم عليه هرقانوس وأباح لهم عبادة صنمهم وأجمع الخلاف وطلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها وخبرته بأحواله وأنه آوى جماعة من بني حشمناي المرشحين للملك منذ اثني عشر سنة فقام هيردوس في ركائبه وبحث عنه فحضر وطالبه ببني حشمناي الذي عنده فأحضرهم فقتله وقتلهم وأرهف حده وقتل جماعة من كبار اليهود ومقدميهم واتهمهم بالإنكار عليه عليه فأذعن له الناس واستفحل ملكه وأهمل المراعاة لوصايا التوراة وعمل في بيت المقدس سورا واتخذ منتزه لعب وأطلق فيه السباع ويحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفرسهم فنكر الناس ذلك وأعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم وكان يمشي متنكرا للتجسن على أحوال الناس فعظمت هيبته في النفوس.
وكان أعظم طوائف اليهود عنده الربانيون بما تقدم لهم في ولايته وكان لطائفة العباد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضا كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثا وكان حدثه وهو غلام بمصير الملك له وأخبره وهو ملك بطول مدته في الملك فدعا له ولقومه وكان كلفا ببناء المدن والحصون ومدينة قيسارية من بنائه ولما حدثت في أيامه المجاعة شمر لها وأخرج الزرع للناس وبثه فيهم بيعا وهبة وصدقة وأرسل في الميرة من سائر النواحي وأمر قيصر في سائر تخومه وفي مصر ورومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة وأجرى على الشيوخ والأيتام والأرامل والمنقطعين كفايتهم من الخبز وعلى الفقراء والمساكين كفايتهم من الحنطة وفرق على خمسين ألفا قصدوه من غير ملته فرفعت المجاعة وارتفع له الذكر والثناء الجميل.
قال ابن كريون: ولما استفحل ملكه وعظم سلطانه أراد بناء البيت ما بناه سليمان بن داود لأنهم لما رجعوا إلى القدس بإذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه فلم يتم على حدود سليمان ولما اعتزم على ذلك ابتدأ أولا بإحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم وتطول المدة وتعرض القواطع والموانع فأعد الآلات وأكمل جمعها في ست سنين ثم جمع الصناع للبناء وما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف وعين ألفا من الكهنة يتولون القدس الأقدس الذي لا يدخله غيرهم.
ولما تم له ذلك شرع في الهدم فحصل لأقرب وقت ثم بنى البيت على حدوده وهيئته أيام سليمان وزاد في بعض المواضع على ما اختاره ووقف عليه نظره فكمل في ثمان سنين ثم شرع في الشكر لله تعالى على ما هيأ له من ذلك فقرب القربان واحتفل في الولائم وإطعام الطعام وتبعه الناس في ذلك أياما فكانت من محاسن دولته.
قال ابن كريون: ثم ابتلاه الله بقتل أولاده وكان ولدان من مريم بنت الإسكندرة قتيلة السم أحدهما الإسكندر والآخر ارستبلوس وكانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم فلما وصلا وقد قتل أمهما حصلت بينه وبينهما الوحشة وكان له ولد آخر اسمه انظفتر على اسم جده وكان قد أبعد أمه راسيس لمكان الروم فلما هلكت واستوحش من ولدها لطلب محل راسيس منه قدم ابنها أنظفتر وجعله ولي عهده وأخذ في السعاية على إخوته خشية منهما بأنهما يرومان قتل أبيهما فانحرف عنهما واتفق أن سار إلى أوغسطس قيصر ومعه ابنه إسكندر فشكاه عنده وتبرأ الإسكندر وحلف على براءته فأصلح بينهما قيصر ورجع إلى القدس وقسم القدس بين ولده الثلاثة ووصاهم ووصى الناس بهم وعهد أن لا يخالطوهم خشية مما يحدث عن ذلك وأنظفتر مع ذلك متماد على سعايته بهما وقد داخل في ذلك عمه قدودا وعمته سلومنت فأغروا أباه بأخويه المذكورين حتى اعتقلهما وبلغ الخبر أرسلاوش ملك كفتور وكانت بنته تحت الاسكندر منهما فجاء إلى هيردوس مظهرا السخط على الإسكندر والانحراف عنه وتحيل في إظهار جراءتهما وأطلعه على جلية الحال وسعاية أخيه وأخته فانكشف له الأمر وصدقه وغضب على أخيه قدودا فجاء إلى أرسلاوش وأحضره عند هيردوس حتى أخبره بمصدوقية الحال ثم شفعه فيه وأطلق ولديه ورضي عنهما وشكر لأرسلاوش من تلطفه في تلاقي هذا الأمر وانصرف إلى بلده.
ولم ينف ذلك أنظفتر عن تدبيره عليهما وما زال يغري أباه ويدس له من يغريه حتى أسخطه عليهما ثانية واعتقلهما وأمضى بهما في بعض أسفاره مقيدين ونكر ذلك بعض أهل الدولة فدس أنظفتر إلى أبيه المنكر علي من المدبرين عليك وقد ضمن لحجامك الإسكندر مالا على قتلك فأنزل هيردوس بهما العقاب ليكتشف الخبر ونمي بأن ذلك الرجل معه ولذعه العقاب وأقر على نفسه وقتل هو وأبوه والحجام ثم قتل هيردوس ولديه وصلبهما على مصطبة وكان لابنه الإسكندر ولدان من بنت أرسلاوش ملك كفتور وهما كوبان والإسكندر ولإبنه أرستبلوس ثلاثة من الولد: أعرباس وهيردوس وأستروبلوس ثم ندم هيردوس على قتل ولديه وعطف على أولادهما فزوج كوبان بن الإسكندر بابنة أخيه قدودا وزوج ابنة ابنه أرستبلوس من ابن ابنه أنظفتر وأمر أخاه قدودا وابنه أنظفتر بكفالتهما والإحسان إليهم فكرها ذلك واتفقا على فسخه وقتل هيردوس متى أمكن.
وبعث هيردوس ابنه أنظفتر إلى أوغسطس قيصر ونما الخبر إليه بأن أخاه قدودا يريد قتله فسخطه وأبعده وألزمه بيته ثم مرض قدودا واستبد أخاه هيردوس ليعوده فعاده ثم مات فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نمي إليه فعاقب جواريه فأقرت إحداهما بأن أنظفتر وقدودا كانا يجتمعان عند رسيس أم أنظفتر يدبران على قتل هيردوس على يد خازن أنظفتر فأقر بمثل ذلك وأنه بعث على السم من مصر وهو عند امرأة قدودا فأحضرت فأقرت بأن قدودا أمرها عند موته بإراقته وأنها أبقت منه قليلا يشهد لها إن سئلت فكتب هيردوس إلى ابنه أنظفتر بالقدوم فقدم مستريبا بعد أن أجمع على الهروب فمنعه خدم أبيه ولما حضر جمع له الناس في مشهد وحضر رسول أغسطس وقدم كاتبه نيقالوس وكان يحب أولاد هيردوس المقتولين ويميل إليهما عن أنظفتر فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة وأحضر بقية السم وجرب في بعض الحيوانات فصدق فعله فحبس هيردوس ابنه أنظفتر حتى مرض وأشرف على الموت وأسف على ما كان منه لأولاده فهم بقتل نفسه فمنعه جلساؤه وأهله وسمع من القصر البكاء والصراخ لذلك فهم أنظفتر بالخروج من محبسه ومنع وأخبر هيردوس بذلك وأمر بقتله في الوقت فقتل ثم هلك بعده لخمسة أيام ولسبعين سنة من عمره وخمس وثلاثين من ملكه.
وعهد الملك لابنه أركلاوش وخرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس وقرأ عليهم العهد وأراهم خاتم هيردوس عليه فبايعوا له وحمل أباه إلى قبره على سرير من الذهب مرصع بالجوهر والياقوت وعليه ستور الديباج منسوجة بالذهب وأجلس مسندا ظهره إلى الأرائك والناس أمامه من الأشراف والرؤساء ومن خلفه الخدم والغلمان وحواليه الجواري بأنواع الطيب إلى أن اندرج في قبره.
وقدم أركلاوش بملكه وتقرب إلى الناس بإطلاق المسجونين فاستقام أمره وانطلقت الألسنة بذم هيردوس والطعن عليه ثم انتقضوا على أركلاوش بملكه بما وقع منه من القتل فيهم فساروا إلى قيصر شاكين بذلك وعابوه عنده بأنه ولي من غير أمره وحضر أركلاوش وكاتبه نيقالوس بخصمهم ودفع دعاويهم وأشار عظماء الروم بإبقائه فملكه قيصر وأعاده إلى القدس وأسار السيرة في اليهود وتزوج امرأة أخيه الإسكندر وكان له أولاد منها فماتت لوقتها ووصلت شكاية اليهود بذلك كله إلى قيصر فبعث قائدا من الروم إلى المقدس فقيد أركلاوش وحمله إلى رومة لسبع سنين من دولته وولى على اليهود بالقدس أخاه أنطيفس وكان شرا منه واغتصب امرأة أخيه فليقوس وله منها ولدان ونكر ذلك عليه علماء اليهود والكنهونية وكان لذلك العهد يوحنا بن زكريا فقتله في جماعة منهم وهذا هو المعروف عند النصارى بالمعمدان الذي عمد عيسى أي طهره بماء المعمودية بزعمهم.
وفي دولة أنطيفس هذا مات أوغسطس قيصر فملك بعده طبريانوس وكان قبيح السيرة وبعث قائده بعيلاس بصنم من ذهب على صورته ليسجد له اليهود فامتنعوا فقتل منهم جماعة فأذنوا بحربه وقاتلوه وهزموه وبعث طبريانوس العساكر مع قائده إلى القدس فقبض على أنطيفس وحمله مقيدا ثم عزله طبريانوس إلى الأندلس فمات بها وملك بعده على اليهود أغرباس ابن أخيه أرستبلوس المقتول وهلك في أيامه طبريانوس قيصر وملك نيروش وكان أشر من جميع من تقدمه وأمر أن يسمى إلاهو وبنى المذبح للقربان وقرب وأطاعته الناس إلا اليهود وبعثوا إليه في ذلك أفيلو الحكيم في جماعة فشتمهم وحبسهم وسخط اليهود ثم قبحت أحواله وساءت أفعاله وثارت عليه دولته فقتلوه ورموا شلوه في الطريق فأكلته الكلاب ثم ملك بعده قلديوش قيصر وأطلق أفيلو والذين معه إلى بيت المقدس وهدم المذابح التي كان نيروش بناها.
وكان أغرباس حسن السيرة معظما عند القياصرة وهلك لثلاث وعشرين سنة من دولته وملك بعده ابنه أغرباس بأمر اليهود وملك عشرين سنة وكثرت الحروب والفتن في أيامه في بلاد اليهود والأرمن وظهرت الخوارج والمتغلبون وانقطعت السبل وكثر الهرج داخل المدينة في القدس وكان الناس يقتل بعضهم بعضا في الطرقات يحملون سكاكين صغار محدين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك وخرج كثير من الناس عن المدينة فرارا من القتل وهلك ولد طبريانوس قيصر ونيروش من بعده وملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأن هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمون على الروم فبعث إليهم من قتلهم وأسرهم.
واشتد البلاء على اليهود وطالت الفتن فيهم وكان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عناني وكان له ابن اسمه العازار وكان ممن خرج من القدس وكان فاتكا مصعلكا وانضم إليه جماعة من الأشرار وأقاموا يغيرون على بلاد اليهود والأرمن وينهبون ويقتلون وشكتهم الأرمن إلى فيلقوس قيصر فبعث من قيده وحمله وأصحابه إلى رومة فلم يرجع إلى القدس إلا بعد حين.
واشتد قائد الروم ببيت المقدس على اليهود وكثر ظلمه فيهم فأخرجوه عنهم بعد أن قتلوا جماعة من أصحابه ولحق بمصر فلقي هنالك أغرباس ملك اليهود راجعا من رومية ومعه قائدان من الروم فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود ومضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فيلقوس وأنهم عازمون على الخلاف وتلطف لهم في الإمساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر ويعتذر منه فامتنع العازار بن عناني وأبى إلا المخالفة وأخرج القربان الذي كان بعثه معه نيروش قيصر من البيت ثم عمد إلى الروم الذين جاءوا مع أغرباس فقتلهم حيث وجدوا وقتل القائدين ونكر ذلك أشياخ اليهود واجتمعوا لحرب العازار وبعثوا إلى أغرباس وكان خارج القدس فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل فكانت الحرب بينهم وبين العازار سجالا ثم هزمهم وأخرجهم من المدينة وعاث في البلد وخرب قصور الملك ونهبها وأموالها وذخائرها وبقي أغرباس والكهنونة والعلماء والشيوخ خارج المقدس وبلغهم أن الأرمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق ونواحيها وبقيسارية فساروا إلى بلادهم وقتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الأرمن ثم سار أغرباس إلى قيرش قيصر وخبره الخبر فامتعض لذلك وبعث إلى كسنينا وقائده على الأرمن وقد كان مضى إلى حرب الفرس فدوخها وقهرهم وعاد إلى بلاد الأرمن فنزل دمشق فجاء عهد قيصر بالمسير مع أغرباس ملك اليهود إلى القدس فجمع العساكر وسار وخرب كل ما مر عليه ولقيه العازار الثائر بالقدس فانهزم ورجع ونزل كسنينا وقائد الروم فأثخن فيهم وارتحل كسنينا إلى قيسارية وخرج اليهود في أتباعهم فهزموهم ولحق كسنينا وأغرباس بقيصر قيرش فوافقوا وصول قائده الأعظم اسبنانوس عن بلاد الغرب وقد فتح الأندلس ودوخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود وأمره أن يستأصلهم ويهدم حصونهم فسار ومعه ابنه طيطوش وأغرباس ملك اليهود وانتهوا إلى أنطاكية وتأهب اليهود لحربهم وانقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحي مع كل فرقة كهنون فكان عناني الكهنون الأعظم في دمشق ونواحيها وكان ابنه العازر كهنون بلاد أروم وما يليها إلى أيلة وكان يوسف بن كريون كهنون طبرية وجبل الخليل وما يتصل به وجعلوا فيما بقي من البلاد من الأغوار إلى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونية وعمر كل منهم أسوار حصونه ورتب مقاتلته.
وسار اسبنانوس بالعساكر من أنطاكية فتوسط في بلاد الأرمن وأقام وخرج يوسف بن كريون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الأغرباس ففتحه واستولى عليه وبعث أهل طبرية من ورائه إلى الروم فاستأمنوا إليهم فزحف يوسف مبادرا وقتل من وجد فيها من الروم وقبل معذرة أهل طبرية وبلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم وفعل فيهم فعله في طبرية فزحف إليه اسبنانوس من عكا في أربعين ألف مقاتل من الروم ومعه أغرباس ملك اليهود وسارت معهم الأمم من الأرمن وغيرهم إلا أروم فإنهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس ونزل أسبنانوس بعساكره على يوسف بن كريون ومن معه بطبرية فدعاهم إلى الصلح فسألوا الإمهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس ثم امتنعوا وقاتلهم أسبنانوس بظاهر الحصن فاستلحمهم حتى قل عددهم وأغلقوا الحصن فقطع عنهم الماء خمسين ليلة ثم بيتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموهم وأفلت يوسف بن كريون ومن معه من الفل فامتنعوا ببطن الأعراب وأعطاهم أسبنانوس الأمان فمال إليه يوسف وأبى القوم إلا أن يقتلوا أنفسهم وهموا بقتله فوافقهم على رأيهم إلى أن قتل بعضهم بعضا ولم يبق من يخشاه فخرج إلى أسبنانوس مطارحا عليه وحرضه اليهود على قتله فأبى واعتقله وخرب أعمال طبرية وقتل أهلها ورجع إلى قيسارية.
قال ابن كريون: وفي خلال ذلك حدثت الفتنة في القدس بين اليهود داخل المدينة وذلك أنه كان في جبل الخليل بمدينة كوشالة يهودي إسمه يوحنان وكان مرتكبا للعظائم واجتمع إليه أشرار منهم فقوي بهم على قطع السابلة والنهب والقتل فلما استولى الروم على كوشالة لحق بالقدس وتألف عليه أشرار اليهود من فل البلاد التي أخذها الروم فتحكم على أهل المقدس وأخذ الأموال وزاحم عناني الكهنون الأعظم ثم عزله واستبدل به رجلا من غواتهم وحمل الشيوخ على طاعته فامتنعوا فتغلب عليهم فقتلهم فاجتمع اليهود إلى عناني الكهنون وحاربهم يوحنان وتحصنوا إلى القدس وراسله عناني في الصلح فأبى وبعث إلى أروم يشتجيشهم فبعثوا إليه بعشرين ألفا منهم فأغلق عناني أبواب المدينة دونهم وحاط بهم من الأسوار ثم استغفلوه وكبسوا المدينة واجتمع معهم يوحنان فقتلوا من وجوه اليهود نحوا من خمسة آلاف وصادروا أهل النعم على أموالهم وبعثوا يوحنان إلى المدن الذين استأمنوا إلى الروم فغنم أموالهم وقتل من وجد منهم وبعث أهل القدس في استدعاء أسبنانوس وعساكره فزحف من قيسارية حتى إذا توسط الطريق خرج يوحنان من القدس وامتنع ببعض الشعاب فمال إليه أسبنانوس العسكر وظفر بالكثير منهم فقتلوهم ثم سار إلى بلاد أروم ففتحها وسبسطية بلاد السامرة ففتحها أيضا وعمر جميع ما فتح من البلاد ورجع إلى قيسارية ليزيح علله ويسير إلى القدس ورجع يوحنان أثناء ذلك من الشعاب فغلب على المدينة وعاث فيهم بالقتل وتحكم في أموالهم وأفسد حريمهم.
قال ابن كريون: وقد كان ثار بالمدينة في مغيب يوحنان ثائرا آخر اسمه شمعون واجتمع إليه اللصوص والشرار حتى كثر جمعه وبلغوا نحوا من عشرين ألفا وبعث إليه أهل أروم عسكرا فهزمهم واستولى على الضياع ونهب الغلال وبعث إلى امرأته من المدينة فردها يوحنان من طريقها وقطع من وجد معها ثم أسعفوه بامرأته وسار إلى أروم فحاربهم وهزمهم وعاد إلى القدس فحاصرها وعظم الضرر على أهلها شمعون خارج المدينة ويوحنان داخلها ولجأوا إلى الهيكل وحاربوا يوحنان فغلبهم وقتل منهم خلقا فاستدعوا شمعون لينصرهم من يوحنان فدخل ونقض العهد وفعل أشر من يوحنان.
قال ابن كريون: ثم ورد الخبر إلى أسبنانوس وهو بمكانه من قيسارية بموت قيروش قيصر وأن الروم ملكوا عليهم مضعفا اسمه نطاوس فغضب البطارقة الذين مع أسبنانوس وملكوه وسار إلى رومة وخلف نصف العسكر مع ابنه طيطش وقدم بين يديه قائدين إلى رومة لمحاربة نطاوس الذي ملكه الروم فهزم وقتل وسار أسبنانوس إلى إسكندرية وركب البحر منها ورجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء ويزيح العلل.
وعظمت الفتن والحروب بين اليهود داخل القدس وكثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات وقتل الكهنونية على المذبح وهم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدماء وتعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي ومواقد النيران بالليل وكان يوحنان أخبث القوم وأشرهم.
ولما انسلخ الشتاء زحف طيطس في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس وركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره ويدعوهم إلى السلم فصموا عنه وأكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه وخلص منهم بشدته فعبى عسكره من الغد ونزل بجبل الزيتون شرقي المدينة ورتب العساكر والآلات للحصار واتفق اليهود داخل المدينة ورفعوا الحرب بينهم وبرزوا إلى الروم فانهزموا ثم عاودوا فظهروا ثم انتفضوا بينهم وتحاربوا ودخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة وقتل جماعة أخرى خارج المسجد وزحف طيطش وبرزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره وبعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله فغضب طيطش وصنع كبشا وأبراجا من الحديد توازي السور وشحنها بالمقاتلة فأحرق اليهود تلك الآلات ودفنوها وعادوا إلى الحرب بينهم.
وكان يوحنان قد ملك القدس ومعه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ومع شمعون عشرة آلاف من اليهود وخمسة آلاف من أروم وبقية اليهود بالمدينة مع العازر وأعاط طيطش الزحف بالآلات وثلم السور الأول وملكه إلى الثاني فاصطلح اليهود بينهم وتذامروا واشتد الحرب وباشرها طيطش بنفسه ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه وتذامر اليهود فمنعوهم عنه ومكثوا كذلك أربعة أيام.
وجاء المدد من الجهات إلى طيطش ولاذ اليهود بالأسوار وأغلقوا الأبواب ورفع طيطش الحرب ودعاهم إلى المسألة فامتنعوا فجاء بنفسه في اليوم الخامس وخاطبهم ودعاهم وجاء معه يوسف بن كريون فوعظهم ورغبهم في أمنة الروم ووعدهم وأطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسألة ومنعهم هؤلاء لرؤساء الخوارج وقتلوا من يروم الخروج إلى الروم ولم يبق من المدينة ما يعصمهم إلا السور الثالث.
وطال الحصار واشتد الجوع عليهم والقتل ومن وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم وصلبوه حتى رحمهم طيطش ورفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربه جهاته ونصب الآلات وصبر اليهود على الحرب وتذامر اليهود وصعب الحرب وبلغ الجوع في الشدة غايته واستأمن متاي الكوهن إلى الروم وهو الذي خرج في استدعاه شمعون فقتله شمعون وقتل بنيه وقتل جماعة من الكهنونية والعلماء والأئمة ممن حذر منه أن يستأمن ونكر ذلك العازر بن عناني ولم يقدر على أكثر من الخروج من بيت المقدس وعظمت المجاعة فمات أكثر اليهود وأكلوا الجلود والخشاش والميتة ثم أكل بعضهم بعضا وعثر على امرأة تأكل ابنها فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة وأذنوا في الناس بالخروج فخرجت منهم أمم وهلك أكثرهم حين أكلوا الطعام وابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به وشعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم ويشقون عنها بطونهم وشاع ذلك في توابع العسكر من العرب والأرمن فطردهم طيطش.
وطمع الروم في فتح المدينة وزحفوا إلى سورها الثالث بالآلات ولم يكن لليهود طاقة بدفعها وإحراقها فثلمو السور وبنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة وصدمها الروم بالكبش فسقطت من الحدة واستماتوا في تلك الحال إلى الليل ثم بيت الروم المدينة وملكوا الأسوار عليهم وقاتلهم من الغد فانهزموا إلى المسجد وقاتلوا في الحصن وهدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال ووقف ابن كريون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا وخرج جماعة من الكهنونية فأمنهم ومنع الرؤساء بقيتهم ثم باكرهم طيطش بالتال من الغد فانهزموا الأقداس وملك الروم المسجد وصحته.
واتصلت الحرب أياما وهدمت الأسوار كلها وثلم سور الهيكل وأحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم وفر كثير ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه ونصب الأصنام في الهيكل ومنع من تخريبه ونكر رؤساء الروم ذلك ودسوا من أضرم النار في أبوابه وسقفه وألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم وحزنوا واختفى شمعون ويوحنان في جبل صهيون وبعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا وطرقوا القدس في بعض الليالي فقتلوا قائدا من قواد العسكر ورجعوا إلى مكان اختفائهم ثم هرب عنهم أتباعهم وجاء يوحنان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده وخرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان ومائدتان ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير ودراهم وطيبا فامتلأت يده منها ورحل عن بيت المقدس بالغنائم والأموال والأسرى وأحصى الموتى في هذه الوقعة قال ابن كريون: فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن بأخبار مناحيم الموكل به مائة وخمسة وعشرون ألفا وثمانمائة وقال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقي في الآبار أو طرح إلى خارج الحصن وقتل في الطرقات ولم يدفن وقال غيره كان الذي أحصي من الموتى والقتلى ألف ألف ومائة ألف والسبي والأسارى مائة ألف كان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا وكان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة.
وأما الفرار بن عثمان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون أمتاي الكوهن كما ذكرنا فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى وحصنها واجتمع إليه فل اليهود واتصل الخبر بطيطش وهو في أنطاكية فبعث إليه عسكرا من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياما ثم نهض الكهنونة وأولادهم وخرجوا إلى الروم مستميتين فقاتلوا إلى أن قتلوا عن آخرهم وأما يوسف بن كريون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع ولم يقف لهم بعدها على خبر وأراده طيطش على السكنى عنده برومة فتضرع إليه في البقاء بأرض القدس فأجابه إلى ذلك وتركه وانقرضت دولة اليهود أجمع والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه.